مساؤكم مساء القدس الحزين تتلوى في قيودها، وتتوجّس من أقدام نتنة؛ تهدد بوطئها واجتياحها، وتعبث بدم أبنائها
اشتَدَّي أزمَةٌ تَنفَرِجي *** قَد آذَنَ لَيلُكِ بِالبَلَجِ
وَظَلامُ اللَّيلِ لَهُ سُرُجٌ *** حَتّي يَمحوهُ أبُو السُرُجِ
وَسَحَابُ الخَيرِ لَهَا مَطَرٌ *** فَإِذَا جَاءَ الإِبّانُ تَجي
عندما تحلَّق الأحزاب حول المدينة.. بشَّر النبي -عليه الصلاة والسلام-أصحابه بالفتح.
ما بقي عندي شك أن المقصود بـ(وَعْدُ الآخِرَةِ) في سورة الإسراء هو الصدام الأخير بين الصهاينة وبين أصحاب الحق، {فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا} (104:الإسراء)، وها قد جاء الله بهم لفيفاً من كل أنحاء الأرض، {فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيرًا} (7:الإسراء).
فهذا وعد حق قادم.
القوة الغاشمة اليوم تتخذ القرار بتدنيس القدس؛ وبالإحراق، وبالتقسيم الزماني، وبالتقسيم المكاني.. وتفرض الأمر الواقع دون مبالاة.
تتخذ القرار بطرد المرابطين والمرابطات، والتضييق عليهم، ووصفهم بأنهم مجموعات إرهابية.. تشعر بأنها سيدة الموقف تُعربد دون رقيب.
الإدارة الصهيونية المتطرفة اليوم تشعر بأنها استطاعت تحييد الكثير من القوى في المنطقة، وأصبح بمقدورها أن تتصرف وفق مصالحها.
يا آلَ إسرائيلَ.. لا يأخذْكم الغرورْ
عقاربُ الساعاتِ إن توقّفتْ، لا بدَّ أن تدورْ..
إنَّ اغتصابَ الأرضِ لا يُخيفنا
فالريشُ قد يسقطُ عن أجنحةِ النسورْ
والعطشُ الطويلُ لا يخيفنا
فالماءُ يبقى دائماً في باطنِ الصخورْ
هزمتمُ الجيوشَ.. إلا أنكم لم تهزموا الشعورْ
قطعتم الأشجارَ من رؤوسها.. وظلّتِ الجذورْ
للحزنِ أولادٌ سيكبرونْ..
للوجعِ الطويلِ أولادٌ سيكبرونْ
للأرضِ، للحاراتِ، للأبوابِ، أولادٌ سيكبرونْ
يا آلَ إسرائيلَ.. لا تسكروا بالنصرْ…
إذا قتلتُم خالداً.. فسوفَ يأتي عمرْو
وإن سحقتُم وردةً.. فسوفَ يبقى العِطرْ
في المرة الأولى قال تعالى: {فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ} (2:الحشر).
نعم؛ هم أهل مكر، وتخطيط، ونفوذ سياسي، وتأثير إعلامي، وعندهم لوبيات تعمل باسمهم وتدافع عن قضاياهم.. لكن الله يأتيهم (مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا)؛ يأتيهم من داخلهم من قلوبهم، يأتيهم لا لينصرهم ويساندهم، بل ليخذلهم ويهزمهم، فهو الذي يحاربهم: (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ)؛ ماذا تنفع الأسلحة النووية والقوى المدججة إذا وُجدت هزيمة نفسية داخلية؟ وماذا ينفع وقوف القوى الكبرى معهم إذا كان الله في صف المستضعفين المقهورين أصحاب الأرض؟!
لكل الأولاد والبنات اليائسين المحبطين أقول: تذكّروا أن هؤلاء الشذاذ ظلوا آلاف السنين مشرّدين فوق كل أرض وتحت كل سماء.
تذكّروا أن رحلة ألف ميل تبدأ بخطوة واحدة، ليس المطلوب منا أن نحاول المستحيل أو نضرب الجدران برؤوسنا..
المطلوب نصرة هذه القضية، ونصرة الشعب الأعزل؛ بالمقدور، بالمستطاع، بالممكن، بالواقعي ولو كان قليلاً، ولا تحقرن من المعروف شيئاً..
لن يسألك الله عن الآخرين ماذا قدَّموا؟ وهل ثبتوا أم تراجعوا؟ وهل وفّوا أم غدروا..؟ سيسألك عن نفسك: {ليَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ}(165:الأنعام)، (إيش كنت تقدر تسوي؟ وإيش سويت؟).
دعونا نجعل من نصرتنا للقضية استخدام لغة إيجابية، لغة متفائلة، لغة واعدة.. بدلاً من العويل، والإحباط، وشتم بعض، واليأس..
استمرارنا في حياتنا العادية وبرامجنا ومشاريعنا -أياً كانت- لا يتعارض مع نصرة القضية ومراعاة المتغيرات؛ فليست قضية القدس قضية عابرة أو وقتية، هي قضية واسعة طويلة الأمد.
ولكل الأبناء والبنات المستعجلين والغاضبين، والذين ينتظرون مفاجآت أو خوارق أو معجزات.. أنا مثلكم أؤمن بأن الله على كل شيء قدير.
لكنه -سبحانه- لم يأمرنا بمجرد انتظار ما في الغيب، أمرنا باستدعاء ذلك بواسطة الدعاء والتضرع، وأن نُقدِّم ما في أيدينا، وهذا هو المطلوب